رائف بن حميدة يكتب: هل يمكن التدارك؟!

كتب: رائف بن حميدة

 الإغتيالات والدماء التي أُريقت جراء الإرهاب كافية لوحدها بإسقاط دستور 2014!
ورغم هذا فلا ننكر بعض إيجابياته، ومنها الفصل الأول، أو أيضا مشاركة الجميع في كتابته (ولو بشكل صوري..)..ولذا فالمرجو من الذين كلّفهم الرئيس أن لا يتصرفوا بمزاجهم بعزل الشعب عن كتابة دستور بلاده..إنه في أدنى الأحوال يتوجّب على الهيئة المشرفة أن تنظر في نتائج الاستشارة الإلكترونية، أو في مقولة الرئيس: ‘الدستور هو ما خطّه شبابُ الثورة على الجدران’!

 الإقصاء

عموما الإقصاء غير محمود، ولاسيما إقصاء المنظمات الوطنية التي تم تتويجها بجائزة نوبل (لكن لا يخفى علينا أن  ذلك “الحوار الوطني” لم يكن حلا جذريا، بل كان تسكينا للمرض..وسنذكر هنا محاولة للعلاج الشافي!)..

أما الإتحاد العام التونسي للشغل فقد أقصى نفسه بنفسه وقرّر مزيد التصعيد بالإضراب!..الإتحاد بهذه التصرفات الرعناء يشوّهُ صورته لدى الرأي العام، ومن ناحية ثانية الإتحاد الذي يصرّ على الجمع بين العمل النقابي والسياسي، لكنه يجمع بينهما بنشاز…
فالعمل السياسي السليم يستوجب المراعاة قبل إعلان الإضراب، فالوضع الإقتصادي المتردي الآن لا يسمح بالزيادة في الأجور علاوة على أن المطالبة بالزيادة في الأجور تثير سخط العاطلين عن العمل الذين منهم أعداد ضخمة بلا موارد أصلا!..
أما إقصاء الشخصيات السياسية، ومنها المتورطة في الفساد(أو تلك  التي تتصرف بهستيريا وتشويش كما في برلمان المهازل  المنحلّ!) فالإقصاء ضروري للهيئة الاستشارية التي تستوجب الهدوء والانسجام..
والإقصاء أيضا يمكنه تجاوز الأفراد ليطال بعض الأحزاب، بل وحتى جميع الأحزاب دون استثناء (بما فيها المؤيدة لـ25 جويلية لو دعت الضرورة !) وإنما الدافع الى هذا “العسف” هو بكل بساطة التباين الكبير بين أحجام الأحزاب (ناهيك عن تعدادها الذي يفوق الحصر نتيجةً للزعامتية! (والدولة بكل تأكيد ليست مصحة للأمراض العقلية والسلوكية..!)

إذن قد نجد تبريرًا لمختلف هذه النقاط التي ذكرنا، لكن الشيء الذي يستحيل أن نجد له تبريرا هو إقصاء الجذور الفكرية لهذه الأحزاب التي هي جزء أساسي من ذاكرة تونس السياسية والنضالية!

الجذور الفكرية التونسية

إن جميع الأحزاب التونسية تعود من حيث  الأصل الى 6 عائلات  يعرفها الخاص والعام: الشيوعية، القومية، الديمقراطية، البورقيبة، الدينية، الليبرالية.

لهذه العائلات تضحيات وكتابات واجتهادات وقراءات جديرة بالنظر، رغم التباين الكبير بينها طبعا!..

أما الآلية التي يمكن إعتمادها لتشريك هذه العائلات فيمكن أن تكون بتصعيد 6 أشخاص من كل ولاية، فيكون المجموع 144 (إن هذه الفكرة يمكن اعتمادها حتى في تشكيل البرلمان بالتصعيد دون مغالبة انتخابية، لكن بشرط حصوله في الختام على تأييد شعبي عبر الإستفتاء..راجع مقالي بالصريح: الوفاق المطلق)..

كل عاقلٍ نزيهٍ يقرّ بأن تونس ضحية الصراعات الحزبية، ولقد امتد هذا الوباء التدافعي إلى النسيج المجتمعي بما فيها المقاهي والشوارع ومختلف وسائل الإعلام وشبكات التواصل (طبعا دون ذكر برلمان الكراكوزات المنحلّ ..) ولقد ترتّبت عن هذا”التدافع” عدوى التباغض والتشاتم والتصادم بين المواطنين بعدما كانوا خلال الثورة منسجمين فقدموا مشهدا رائعا حتى وقفَ لنا كبار وحكماءُ العالم!!

الأزمة وجذورها

 كل من يتوهّم أزمةَ تونس أزمة إقتصادية فهو ضعيف الفهم، فالأزمة سياسية، لكن انجرت عنها بقية التداعيات ومنها الإقتصادية..إن هذا شبيهٌ بتلك القبائل البدائية التي تتقاتل على الأرض بدلا من استصلاحها فتصيبها المجاعات بينما أرضها الخصبة بورا!

أمّا انتفاضة 25 جويلية فلم تكن إلا إستنكارا لوباء الزعامتية الذي جعل كل حزب بما لديهم فرحين والشعبُ في وجعٍ وأنين ويموت من الوباء المئات يوميا (ومنهم من يقتاتون من القمامة، وهي سابقة غير معهودة في تونس …تونس الخضراء!)…
ولقد استجاب الرئيسُ للشعب باتخاذه قرارات 25 جويلية، لكنه وضع نفسه بتلك القرارات في فوهة بركان! فالمزايدون بمختلف مواقعهم الحزبية والجمعياتية والإعلامية يحمّلونه مسؤولية تبعات عشرية الكوارث، وحتى العشرية نفسها!(ويحمّلونه  حتى كوارث العهد النوفمبري و البورقيبي…وحتى الحسيني، ومن ذلك مصطلح “الحماية”!)..إنها طبقة سياسية أنانية إنتهازية !..[وفي الحقيقة هذه القضية الخطيرة سوف تستمر ولن تنفع معها لا الإنتخاب على القائمات ولا على الأفراد!

 العلاج

إن البديل الحاسم لا يخرج عن إثنين :

–  تأسيس حزب أغلبي كبير تكون أمامه المعارضة ضعيفة (على شاكلة العهد البورقيبي والنوفمبري!).

– أما الحل الثاني فهو الذي إقترحه الرئيس -البناء الديمقراطي القاعدي-..(لقد كان الأجدى تسميته  ـ التوحيد الوطني الديمقراطي ـ ! فهذه التسمية لا تترك مجالا للمشككين!..)

وحتى إن لم يتم إعتماد هذا النظام بحذافيره فالمجالس المحلية هي العلاج الشافي للاحتجاجات والإعتصامات، فلو كان التمثيل النيابي الجاري به العمل يفي حقّا بتطلعات الجماهير وهمومه ما كان لهذه الإحتجاجات وجود!].

المصدر : الصريح

Load More Related Articles
Load More By Assarih

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *