ألفة يوسف: الاختلاف جوهر هذه الحياة.. ولا مفرّ من العدالة الإلاهيّة

“نساء وذاكرة”، “تعدّد المعنى في القرآن”، “ناقصات عقل ودين”، “حيرة مسلمة”، سلسلة «والله أعلم».. وغيرها من المؤلّفات التي قدّمتها ألفة يوسف، الكاتبة والمؤلفة والباحثة تونسيّة، التي عُرفت بالجرأة في كتاباتها وبطروحاتها الدينيّة ذات الصبغة الحداثيّة، وتناولها في أبحاثها الموروث الديني بالتحليل والمقارنة، واشتهرت أيضا بمقاربتها النقدية للفكر الإسلامي وتحليل التصوّرات غير المدروسة عن الدين والنصوص المقدسة..

“التعايش في سلام.. هو الجوهر”

“لا تضارب بين الإسلام الشعائري والإسلام الروحاني، بالعكس، فالإسلام له بعد دنوي، وبعد أخروي وبعد روحاني ونفسي، فالبعد الشعائري يتوجّه إلى النفس والبعد الروحاني إلى الروح، والجسد هو الذي يقوم بكلّ ذلك”، هكذا استهلت ألفة يوسف حوارها مع برنامج “جاوب حمزة”، الأحد 5 فيفري 2023.

وترى ألفة يوسف أنّ الإنسان يتطوّر مع الوقت، وبمرور التجربة ونضجها اكتشفت أنّ الإسلام ليس ما يقوم به المسلم من صلاة وصيام وزكاة، وإنّما هو قبل كلّ ذلك جهاد النفس.

وتُتابع: “الجوهر هو كيف يمكن أن نتعايش في سلام..”.

فنحن وفق يوسف، مازلنا شعوبا تصنع نفسها، ومازلنا في بداية مرحلة التطوّر ما بعد الاستعمار، وبناء الدولة الحديثة، رغم أنّني أشكّ أننا في دولة حديثة، كما أنّنا في مجتمعات تحتاج لتضافر الجهود، لتكون لنا رؤية قيميّة إنسانيّة، التي دونها لا يمكن الحديث عن الاقتصاد والسياسة وغيرهما.

كتاب “وجه الله”

كتاب “وجه الله”، هو “نتاج التجربة وليس هروب منها، وكلّ كتاباتي السابقة هي قضايا تشغلني شخصيا، وهي نوع من السيرة الذاتيّة المقنّعة وذكر لمشاكلي الفكريّة، من منظور فكري وعلمي”، هكذا تقول ألفة يوسف، لتُضيف أنّها “حاولت التعامل مع القرآن وقراءة النصّ الديني، كأيّ مسلم يتساءل أسئلة وجوديّة وله بعض الثقافة التي اكتسبها من قراءاته”.

وتُتابع: “قرأته من منظور لساني في تعدّد المعنى في القرآن لغويا، كيف أنّ الآية تعبّر عن أكثر من معنى، ثمّ قرأته من منظور تاريخي كيف أنّه يجب الفصل بين الآيات المتّصلة بسياقها التاريخي والآيات الصالحة لكلّ زمان ومكان.. لقد قرأته من منظور تحليلي نفسي بعدما ما مررت بتجربة التحليل النفسي وخرجت بكتاب “ناقصات عقل ودين”، وفي الأخير اكتشفت أنّ كلّ هذه القراءات تؤدي إلى إمكانات فكريّة ولا تؤدي إلى الطمأنينة الروحيّة..”. 

“والكتاب الذي كان بارقة التجربة كلّها هو سلسلة “والله أعلم”، وهو كان تمرينا كي أبيّن للنّاس، فعليا، أنّني يمكنني أن إقناعهم بأنّ تعدّد الزوجات ممكن وله أسّسه، وكذلك هو غير ممكن وله أسّسه، أردت القيام بتمرين عملي لبيان نسبيّة الرؤى والمواقف وأنّ الحقيقة لا يعرفها أحد، فكلّ شيء في هذه الحياة بما أنّنا بشر، ناتج عن رؤيتنا..” وفق تصريح ألفة يوسف.

“الاختلاف جوهر الحياة الدنيا..”

وتُشدّد المتحدّثة، في الإطار ذاته، على أنّ “الاختلاف هو جوهر هذه الحياة الدنيا”، والنفس البشرية واحدة، المهم هو أنّ البشرية هناك شيء ما يجمعها، وفق تعبيرها. 

وتقول ألفة يوسف إنّها لو كانت ستخاف لخافت منذ البداية، وإلى الآن هناك القضايا في عالم الظاهر مازالت تشغلها، ويمكننا الحديث فيها والنقاش حولها، ولكن النضج يجعلك تكتشف أنّ هناك شيء آخر يمكن أن يكون أشفى للإنسان، أيّ يمتعك ويُريحك أكثر، وفق تعبيرها.

“ومنذ البداية لم يكن لي موقف مُقصٍ للآخر، على سبيل المثال، أنا مقتنعة بأنّ الحجاب ليس فرضا، ولكن لم أكن لأمنعه، عندما كنت مديرة معهد وكان هناك أمر بمنع الحجاب، لأنّ مسألة اقتصاء الآخر وإن ظهرت أحيانا، فإنّ تركيبتي لا تقوم على الإقصاء بل على التجميع”، تُضيف ألفة يوسف.

وتعتبر ألفة يوسف أنّ “التعصّب غير مرتبط بالانتماء إلى دين معيّن بل هو مرتبط بتركيبة نفسيّة معيّنة، وهو ما نجده مثلا عند السياسيين”.

“محاولات الاغتيال”.. ماذا غيّرت في ألفة يوسف؟

وعن محاولات الاغتيال التي دُبرت في حقّها، وأشرها عام 2013، تقول ألفة يوسف إنّ “مسألة الاغتيال جعلتها أضع أمام نفسها مسألة الموت الفعلي”.

وتُضيف ألفة يوسف: “إذا السيّد الذي أراد قتلي، هو كان منطلقا لإدخالي مجال التصوّف فأقول من قلبي “الله يرحمك”.. لأنّ كلّ تجربة نمرّ بها في الحياة لا معنى ودلالة وحكمة.. وألفة يوسف الأمس ليست ألفة يوسف اليوم، فنحن في كلّ لحظة نتغيّر ونتحوّل، نحن صورة من الله كلّ يوم في شأن”.

“التشجنّع نوع من المرض”

ما حصل في 2011، حسب ألفة يوسف، كان مجالا إخراج المسكوت عنه اجتماعيا إلى الظاهر، وطبقا لذلك سادت فكرة “رفض الآخر”، إمّا إيديولوجيا أو جهويا أو عمريا.

وتُشدّد ألفة يُوسف على أنّ وظيفة السياسة هو “الجمع”، ويمكن القول إنّ تجربتنا التونسيّة فشلت عندما فشلت مسألة المصالحة وتجميع التونسيين، وهي فكرة أساسيّة لا سيما أمام ما نراه من معارضة أو من في الحكم، من “خطابات متشنّجة المريضة”، لأنّ “التشجنّع نوع من المرض”، حسب قولها.

“اغتيال الشهيد بلعيد وطمس الحقيقة”

قضيّة الشهيد شكري بلعيد “سُيّست”، فمن المفترض أن يبقى القضاء البشري بعيدا قدر الإمكان عن التجاذبات السياسيّة، ولكن ما حدث هو أنّ كلّ شخص يحكم يحاول أن يُطوّع القضاء إلى صالحه، وفق قول ألفة يوسف، التي ترى أنّه فمن المنظور الروحي، من قتل بلعيد “بش يُخلص” (باللهجة التونسيّة) بشكل ما، فالعدالة الإلاهيّة لا يمكن الهروب منها، حسب قول ألفة يوسف التي تُضيف أنّه من المؤسف أنّ مثل هذه قضيّة، رمزيا، ما يصل إلى التونسي أو الشاب الصغير “هو أنّ هذه البلاد لا تستحق التضحيّة من أجلها”.

وترى ألفة يوسف أنّ هناك مجهودات كبيرة بُذلت لطمس الحقيقة، فبدل أن تُبذل الجهود لكشف ملابسات جريمة الاغتيال، بُذلت مجهودات من أطراف متعدّدة، لحماية شخص أو جهة ما، “نسمع بالمحاسبة والمحاسبة.. ولاشيء”، تقول ألفة يوسف.

المصدر : موزاييك ف م

Load More Related Articles
Load More By Mosaique Fm

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *