كتب: نوفل سلامة
يبدو اليوم أن جماعة الفقهاء الجدد من رموز اليسار الماركسي الذين أوكلت إليهم مهمة كتابة الدستور الجديد أو كما يحلو لهم تسميته بدستور الجمهورية الجديدة يعيشون مأزقا كبيرا و واقعون في ورطة كبرى…
ويبدو كذلك أن من تقدم ليكتب اسمه في التاريخ كأول شخص تجرأ على الفصل الأول وهو الفصل الوحيد من دستور 1959 الذي لم يتجرأ عليه أحد من قبل وبقى صامدا لأكثر من نصف قرن لم يقرأ حساباته جيدا حينما صرح بكل وثوقية أنه سوف يلغي الفصل الذي ينص على أن تونس دولة مستقلة ذات سيادة الإسلام ودينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها أو أنه سوف يبقى عليه مع محو عبارة ” الإسلام دينها ” مبررا ذلك بأنه بهذا الصنيع يكون قد قطع الطريق أمام تواجد الأحزاب الإسلامية ومنع كل توظيف للدين في السياسة وحال دون استعماله في التطرف ويكون أخيرا قد قطع كل صلة ونهائيا بين الدين والسياسة والدولة، وهو بذلك يوهم نفسه بأنه يؤسس لمفهوم الدولة العلمانية على الطريقة الفرنسية أين نجد الفصل الصارم بين الدين السياسة وحياد الدولة التام تجاه الفاعلين والأفراد في الفضاء العام بحيث لا نجد تدخلا واضحا للدولة في المجتمع وفي حياة الناس هذا من دون أن نقر استقلالا تاما وواضحا للدولة عن تنظيم الحياة المشتركة بين الأفراد وفق القانون المشترك للدولة.
معركة قديمة
بقطع النظر عن المنطلقات التي تحكم عقول الفقهاء الجدد والذين اتضح اليوم أن لهم معركة شخصية قديمة مع الإسلام كرؤية للكون والحياة والإنسان وموقف من دوره في المجتمع من خلال تبنيهم النظرة العلمانية الفرنسية التي تقر فصلا صارما بين الدين والسياسة والدولة والحكم وتعتبر أن مكان الإيمان بين جدران الكنيسة، وفي قلوب المؤمنين وهو في النهاية علاقة شخصية بين الفرد والخالق من دون أن يكون له أثر في الحياة وفي معاملات الناس.
بقطع النظر عن هذه المعركة التي يحييها اليوم الفقهاء الجدد فإن ما هو منتظر من تعديلات على الفصل الأول من دستور سنة 2014 والتغييرات المرتقب ادخالها عليه تثير الكثير من نقاط الاستفهام خاصة الصيغة المقترحة بدلا عن الصيغة الحالية، والتي تقول بأن ” تونس دولة مستقلة ذات سيادة ، دين الأمة الإسلام والدولة تسهر على تحقيق مقاصده” حيث يتضح أن الغايات التي اشتغل عليها من كان وراء هذا المشروع الجديد وهي إبعاد الدين عن حياة الناس وتشريعات الدولة سوف تكون لها نتائج عكسية مع الصيغة الجديدة المقترحة، وسوف نجد أنفسنا أمام صيغة تزيد من تأكيد ارتباط الدين بحركة المجتمع وحياة الأفراد وما ينجر عن ذلك من استتباعات مؤثرة على مستوى التشريع وسن القوانين فما يخطط له من الهروب من دائرة تأثير الدين في الدولة قد انتج عكس ذلك ليصبح الدين في قلب المجتمع والحياة والإنسان.
لا إشكال حقيقي
وهذا يعني أن الصيغة الحالية للفصل الاول والتي تنص على أن تونس دولة مستقلة ذات سيادة الإسلام دينها …” والتي اعتبرت صيغة وصفية جاءت تصف حالة الدولة ووضعها كون شعبها في غالبيته مسلما وهي صيغة ليس لها في نظر من وضعها استتباعات على مستوى التشريع والقانون وهي لا تثير اشكالا حقيقيا في علاقة الدولة بالدين فإن الصيغة الجديدة المقترحة بالكيفية التي تشير إلى أن الإسلام دين الأمة هي صيغة معيارية جاءت تقر وضعا جديدا وتفرض استتباعات في نظر البعض هي أخطر بكثير من الصيغة الحالية على المشروع العلماني منها أن هذا الشعب المسلم الذي لن يحكمه إلا رئيس مسلم الديانة من حقه أن يطلب أن تحكمه قوانين وتشريعات لا تكون مخالفة لدينه ولروح الشريعة والقوانين الإسلامية وسوف لن يقبل مستقبلا أن توضع له الدولة قوانين مخالفة للإسلام وقد نجد اليوم صورة من هذا المنطق وهذا التفكير في موقف رئيس الدولة من قضية المساواة في الميراث حيث صرح بكل وضوح أن المطالبة بالمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة فيه مخالفة صريحة للنص القرآني ومثال آخر على تغلغل الدين في المجتمع ما جاء في الحوار الذي أجراه منسق الهيئة الوطنية الاستشارية لإعداد الدستور الصادق بلعيد حول مسألة ديانة رئيس الجمهورية حيث قال بأنه من غير الممكن أن نعامل المسلمين باعتبارهم العنصر الأغلبي في البلاد على قدم المساواة مع غيرهم من غير المسلمين وبالتالي فلن يتم المساس بشرط الاسلام للترشح لرئاسة الدولة.
دين الأمة
ماذا يعني هذا؟ أنه يعني بكل بساطة ووضوح أنه بقطع النظر عن المنطلقات التي تحكم تفكير الفقهاء الجدد وتقود عقل الرئيس في تحديد العلاقة بين الدين و الدولة والحد من توظيف الدين في السياسة كما يروج له فإن النتائج سوف تكون عكسية ومؤثرة للغاية وهي نتائج لها استتباعات هي نقيض ما قصدوه وتمناه الفقهاء الجدد فالانتظارات من وراء الصيغة الجديدة المسربة هي عكسية للغاية لنرى معها تدخلا واضحا ومشرعا في الدستور لتأثير الدين في المجتمع والحياة والأفراد بما يعني استتباعات على مستوى التشريع والقوانين وتنظيم المجتمع فمع هذه الصيغة الجديدة لا مجال للحديث عن دين مقصى ومستبعد من حياة الناس طالما أقر الدستور الجديد أن الإسلام هو دين الأمة ولا معنى لتجاوز النصوص الدينية التي تدين بها الأمة من السلوك والتصرفات والمؤسسات.
وفي كل الحالات سواء أ بقيتم على صيغة الفصل الأول الحالية أو غيرتموها فإن لهذه الدولة دين ولهذا الشعب دين ودين الدولة ودين الشعب هو الإسلام رغم كل محاولات الطمس والتجاوز الفقهاء الجدد من رموز اليسار الماركسي الذين تحولوا اليوم الى فقهاء يفتون في أمور الدين….
المصدر : الصريح