سيدي بوزيد: بورصة ”العلوش” ساخنة و الأسعار مرشحة للارتفاع

قبل حوالي ثلاثة أسابيع من عيد الإضحى توسع الحديث عن بورصة “العلوش”  وعن الإرتفاع المرتقب للأسعار في ظل نقص العرض وإرتفاع كلفة التربية بسبب الشح في التزود  بالأعلاف و الزيادة  في أسعارها و نقص المراعي بالمقارنة مع السنوات القليلة الماضية و عن إمكانية عزوف المستهلك عن شراء الأضحية أو اللجوء إلى نظام ما يسمى ب ” الحصة ”  أو” القسامية ” أو ”  السهمة  ” ( تقسيم الإضحية الواحدة  إلى ”  منابات “.

بورصة العلوش من يحددها ؟ 

في الواقع و كما لا يخفى على أحد فإن الأسعار الحقيقية للأضاحي على إختلاف أنواعها ( علوش ،بركوس نجدي أو غربي أو عنز ) لا تتحدد بصفة يقينية و رسمية  إلا خلال هذه الفترة ( بداية من هذه الأيام  وصولا إلى ماقبل يوم العيد بسويعات ).

 كما أن بورصة العلوش  تنكشف أسرارها يوما بعد يوم وتلك مرتبطة بسياسة العرض والطلب و جودة المعروضات في الأسواق و البطاحي و ”  الرحب ” و حتى في مآوى الخرفان عند الفلاح بما يعني أن تفاصيل لعبة أعداد الأضاحي وأسعارها يمسك بأوراقها إلى حد الآن مربو الماشية الذين اعترضتهم صعوبات كبيرة في الحفاظ على القطيع ما يجعلهم في موقع أصحاب القرار سيما وأنهم هم العارفون بقائمات مصاريف تربيتها منذ إنطلاق الموسم و ثمن تكلفة القطيع التي ساهمت في ترفيعها ندرة المراعي وشطط أسعار العلف مما زاد في تعقيد حسابات  عمليات البيع عند المربين.

في مختلف مناطق سيدي بوزيد  تنشط هذه الأيام حركة أسواق الدواب في 4  أيام  من كل أسبوع على الأقل حيث تدب الحركة داخلها قبيل بزوغ الشمس بعد  ” توافد ”   قطعان المواشي ( خرفان و ”  براكيس ” و عنز و شياه و حملان…) و دخولها  إلى السوق حيث ينتظرها الشاري الذي يمكن أن  يكون
“قشارا  ” جزارا أو مستهلكا .

موزاييك بدورها اختارت أن تزور أسواق الدواب في كل من ” الهيشرية ” و  “بئر الحفي  ” و  “الرقاب  ” و ”  الفايض ” لمعرفة و رصد بورصة أضحية العيد  و الإطلاع على أحوال السوق. 

“الفلاح… مسكين ..”! 

يوم السوق الأسبوعية ب ” الهيشرية ” عم الهادي  مربي خرفان و فلاح جاء من منطقة السوق الجديد و  جلب 12  خروفا من الأحجام المتوسطة لم تتعد حولها الاول و اصطحب معه نفرين من أهله  مكثنا بالقرب منهم قليلا  و سرعان ما تجمع حولهم عدد من  ” المتسوقين ”  و شرعوا يسألون عم الهادي  عن السعر ثم  انطلقوا في  المزايدة بعد أن كان سعر الإفتتاح 550 دينار للراس الواحد  إلى أن  بلغ 660 دينار و مع ذلك لم  ” يسلم  ” لهم  و فجأة يتفرق الجمع  دون شراء ليعودوا بعد ذلك فرادى و جماعات و كان في كل مرة يقول ” لو كان تعرفوا الكلفة اللي وصل لها الراس الواحد إلا ما يشفكم حالي… ها ولادي العلف طار العلف دمرنا نحن الفلاحة…  و كسرنا و الدولة راقدة… و المراقبة عاملة روحها مش هنا… العلف وصل ما بين 70و 100 دينار  ” الشكارة ”  في السوق السوداء… رانا تحرقنا …رانا تلزينا… حتى المراعي قلت …و الجفاف طال… العام اللي فات … تو تشوفوا الأعوام القادمة …عندكم الحق كل علوش متكلف علي ب 750 دينار …الفلاح مسكين… مسكين … لا من يرفق بيه كان ربي سبحانه  … اللي مازال يعاود يربي راهو  كذاب و مش … ”  انتقلنا من هناك و تحولنا في كل ناحية من الرحبة و كانت الشراءات قليلة سوى بعض الخرفان المتوسطة و ” العلاليش ” الصغيرة التي كانت من نصيب عدد من ”  الجزارة ” أو  ” التجار ”  و ” القشارة ”  و هو ما يؤكد لنا أن السوق غير واضحة و  أن الأسعار غير مستقرة  و أن الشاري ليس متوفرا بالقدر اللازم  و لا سيما المستهلكين الذين أغلبهم تعودوا  على شراء أضاحيهم في الساعات الأخيرة …

*الأسعار في تصاعد ..! 

 في رحبة الأغنام بسوق بئر الحفي لاحظنا أن الحركة بدت  نشيطة و أن الإقبال على شراء الخرفان والأضاحي بدأ  في تزايد ملحوظ بفضل توافد التجار من مختلف أنحاء البلاد وخاصة من الجهات الساحلية من سوسة  و صفاقس و المنستير و المهدية و العاصمة فضلا عن بقية الزوار و القادمين إليها ( السوق ) من مختلف المناطق الريفية التابعة للجهة والجهات المجاورة.

استوقفنا عم راشد و هو يقود خروفا من الحجم الكبير فسألناه عن ثمنه فقال أنه اشتراه ب 1080 دينار من أحد معارفه ككل سنة و أضاف أن مثل هذا الخروف  اشتراه في السنة الفارطة بحوالي 900 دينار و تابع حديثه مؤكدا أن  “البركوس”  سيرتفع سعره  أكثر في قادم الأيام خاصة إذا فتحت الحدود مع البلدان الشقيقة  المجاورة من ناحية و ذلك  يعود إلى كثرة نفقات الفلاح من العلف طوال العام و كثرة التثقيلات التي يتقبلها في النهاية المستهلك رغم قلة الجودة في أغلب الحالات والأحيان  بسبب غياب التشريعات و الإرادة السياسية و صمت المراقبة الإقتصادية  التي تغط في سباتها العميق ما دام المواطن لا يطالب بحقوقه و يساهم في تدعيم  الفساد.

 وفي ذات السوق سألنا عددا من مربي الماشية و خاصة المختصين منهم في تربية الخرفان المعدة للإستهلاك أيام العيد و في فصل  الصيف الذي تكثر فيه الأفراح و المناسبات السعيدة فاجمع جميعهم على  أن جهودا كبيرة تبذلها العائلة في سبيل تربية الخرفان من تنظيف المآوي وعمليات توزيع الأعلاف وتنويعها وتشريب ومداواة القطيع فضلا عن عمليات البحث عن الأعلاف  ( نخالة و شعير و ألكو و غيرها ) وجلبها من مختلف الأسواق و خاصة إذا تعلق الأمر ب ”  السوق السوداء ” التي تفرضها لوبيات متوحشة ديدنها الربح الوفير دون شفقة و لا رحمة فضلا عن طول فترة إنحباس الأمطار  والجفاف المتواصل  في جهة سيدي بوزيد وأغلب الجهات التونسية – وفق تقديرهم – علاوة على إرتفاع كلفة شراء الخرفان وتجميعها من أسواق متفرقة و متنوعة قبل الشروع في تربيتها.

كما أجمعوا على أن الأسعار التي تباع بها الخرفان في هذه الأسواق متذبذة وهي في كل الأحوال  مرشحة للإرتفاع خلال الأيام القليلة القادمة بحكم التثقيلات والنفقات الإضافية التي تتزايد يوما بعد يوم وعدم وجود الأضاحي من الأحجام الصغيرة والخفيفة كما أن إمكانية الإختيار ستكون محدودة نظرا لتقارب أحجام وأسعار المعروضات عموما. 

و حذر بعضهم من عدم إشتراء الخرفان مباشرة من الوسطاء أو “القشارة” لأنهم يرفعون دائما في الأسعار ولا يراعون القدرة الشرائية للمواطن كما لا يقدرون ظروف ومعاناة الفلاحين أو المربين واشاروا الى أن أفضل وسيلة للتعامل مع مثل هذه المناسبات لا تكون إلا مع المنتجين بصفة مباشرة.

بورصة ساخنة و الحذر واجب 

نويرة، تاجر أغنام  منذ 35  سنة وجدناه  في سوق الدواب بسيدي بوزيد و سألناه عن بورصة العلوش فرد مباشرة ” ساخنة و سيشتد لهيبها  في الأيام القليلة  القادمة لأن المعروضات المتوفرة حاليا في الأسواق تعتبر عادية و أغلبها سيكون  من الأحجام الثقيلة لذلك فإن أثمانها ستكون ثقيلة بدورها على المستهلك لذلك فإنه يوصي زملائه  التجار بملازمة الحذر ومعرفة أحوال السوق وإمكانيات المواطن حتى لا يغرق التاجر في ما يسمى بوفرة العرض ومحدودية الطلب خصوصا و أشار إلى أن تجار المدن الكبرى صاروا ينقلون البضاعة الى جهاتهم بأنفسهم ولا ينتظرون تحول تجار الجهة إليهم.

و أوصى نويرة  كل المستهلكين بعدم التعامل مع التجار الدخلاء الذين شوّهوا القطاع بإعتمادهم عديد الطرق التي تضخم الخرفان من جرّاء إستهلاك مفرط في الماء كإستعمال كميات إضافية من الملح  و غيرها في المواد العلفية والإستعمال المفرط لأدوية أخرى معدة للتسمين وما شابهه فتزيد في كميات الشحوم للحيوان المعد للذبح .

عدد الأضاحي تراجع و الحالة الصحية جيدة 

و لمزيد من المعلومات حول وفرة  القطيع المعد للإستهلاك بمناسبة عيد الأضحى المبارك و حالته الصحية أكد محمد  الحمدوني رئيس دائرة الإنتاج الحيواني بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بسيدي بوزيد تراجع عدد الأضاحي  بالجهة  إلى حدود 269 ألف رأس بعد أن كان 313 ألف راس  الموسم الفارط مشيرا إلى أن  تربية العلوش بجهة سيدي بوزيد تتركز  أساسا  بمعتمدية جلمة بما يقارب  100 ألف رأس تليها معتمدية  سيدي بوزيد الشرقية ب30 ألف رأس ثم معتمدية سيدي بوزيد الغربية بحوالي 20 ألف رأس.

و قال الحمدوني أن ”  الحالة الصحية للقطيع هذه السنة تعد جيدة بفضل نزول الغيث النافع بالجهة خلال شهر أفريل الماضي شيما حيث لم  يتم إلى حد الآن تسجيل أية حالة مرضية و أن  وعمليات المراقبة الصحية متواصلة .

و بخصوص بورصة العلوش من جانبه  توقع الحمدوني تسجيل زيادة في الأسعار تتراوح بين 100و 150 دينار على مستوى العلوش من الحجم المتوسط أساسا و أضاف أنه تم تحديد سعر الكيلوغرام الواحد للاضاحي الحية ب 14 دينار .

*محمد صالح غانمي
 

المصدر : موزاييك ف م

Load More Related Articles
Load More By Mosaique Fm

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *