أحمد القديدي يكتب لكم: زلزال التشريعيات الفرنسية وعودة القيّم الأصلية  

كتب: د.أحمد القديدي

النتائج التي أفرزتها الجولة الأولى للإنتخابات التشريعية الفرنسية يوم الأحد 12 جوان الجاري أو ستفرزها الجولة الثانية ليوم أمس الأحد 19 مهما كانت تشكل أكثر من حدث سياسي عادي يقرر من سيكون ضمن الـ577 نائبا عن الشعب الفرنسي في البرلمان ليصبح في هذه الدورة زلزالا حقيقيا بدرجة 7 على سلم التقييم الجيو ستراتيجي… لماذا؟

لماذا ماكرون؟

لأن الشعب الفرنسي لديه عقيدة في الأغلب لم يحد عنها ولم يغيّرها على مدى نصف القرن المنقضي، وهي أنه في الرئاسيات يختار أقرب المرشحين الأخيرين الإثنين للعقل السياسي التقليدي أي بين الرئيس ماكرون المترشح لتجديد البيعة لنفسه و بين منافسته اليمينية المتطرفة الشعبوية مارين لوبان أعطى الناخبون أغلبية للرئيس ماكرون رغم اتهامه على مدى السنوات الخمسة لعهدته الأولى بالميول الليبرالية القصوى…

لأنه قادم من منظومة الرأسمالية القديمة الغربية والتي تنحدر منها زوجته لعلاقاتها الأسرية بعائلة (روتشيلد) ورغم كون اليسار الفرنسي يتهمه بانتهاج سياسات معادية للطبقات الكادحة (من ذلك مظاهرات السترات الصفراء) و رغم كل هذه السلبيات في تقييم المواطن الفرنسي فقد فضله الفرنسيون على اليمين العنصري وبوأه لتقليده الخمس سنوات القادمة…

لكن المواطن الفرنسي العادي يدرك أن تلك الاتهامات حقيقية ويخاف لو تفاقمت الخيارات الليبرالية أن يفقد مكاسبه وحقوقه و من أجل ذلك يريد أن تعدل السلطة التشريعية من مخاطر الرأسمالية و صوت الناس بكثرة لمنافسه الأول في التشريعيات وهو اليساري غير التقليدي و الخطيب المتكلم بسلاسة و وضوح و شعبية وهو السيد (جون لوك ميلنشون) الذي نجح في تأليف حلف يساري قوي دون شقوق إما سيفوز بأغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة الإجتماعية الديمقراطية (طريقة التعايش المنصوص عليها في الدستور الفرنسي ما بين حكومة منبثقة من الأغلبية البرلمانية و بين رئيس جمهورية يصبح محدود الصلاحيات مبتور الجناحين) و إما سيصبح اليسار قوة أغلبية في البرلمان وهو ما سيغير من سياسات اليمين الجمهوري خاصة نحو العداء للمسلمين الفرنسيين (الإسلاموفوبيا) أو الإتجاه الفرنسي نحو الولاء للولايات المتحدة و اتباع تعليماتها في الشأن الأوكراني و الأطلسي!

تحليل النتائج

وهنا نذكر بأن صحيفة (عربي 21) حللت النتائج كما يلي : “أظهرت نتائج الانتخابات التشريعية التي شهدتها فرنسا يوم الأحد الماضى تقدمًا طفيفًا لحزب الرئيس ماكرون (النهضة)، إذ حصل على 25.7% من أصوات الناخبين، في حين حصل حزب «الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد» بزعامة «جان لوك ميلنشون» على 25.6% من الأصوات، فى تقاسمٍ واضح للصدارة.

وقد حلّ حزب اليمين المتطرف «التجمع الوطني» الذى تقوده مارين لوبان ثالثًا، وحصل على 18.7% من الأصوات، وحل حزب الجمهوريين رابعًا بعد أن تصدر الحياة السياسية الفرنسية لما يقرب من نصف قرن، وحصل على 10.4% من أصوات الناخبين. أما حزب «إعادة الغزو» (في أقصى اليمين المتطرف) بزعامة إريك زامور، فلم يتجاوز عتبة الـ4% من الأصوات، وفشل في التأهل إلى جولة الإعادة بعد أن حل ثالثًا وراء مرشح حزب «النهضة» الحاكم وحزب «التجمع الوطني».

زامور صعود ثم هبوط!

واللافت أن زامور نال مع بداية صعوده العام الماضى بريقًا كبيرًا سرعان ما خفت مع انتخابات الرئاسة التي حل فيها رابعًا، بعد أن اكتشف قطاع واسع من الفرنسيين أن كثيرًا مما يقوله فج ومتطرف وغير قابل للتطبيق، وأن إساءاته غير قابلة للإصلاح، خاصة أنها طالت دين الإسلام الذي يعتنقه 6 ملايين فرنسى، فيصبح التجاوز هنا لا يتعلق بمهاجرين غير شرعيين أو مسلمين متطرفين، إنما لعقيدة ودين لا يمكن تغييره، ولا يمكن طرد معتنقيه من فرنسا لأن أغلبهم أصبحوا مواطنين فرنسيين. ومن هنا فإن أهمية وميزة الحملات الانتخابية أنها كاشفة، وكثيرًا ما ترفع مرشحًا وتدفعه للأمام، أو تعود به للخلف كما حدث مع زامور. وعرفت الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية مقاطعة قياسية، بلغت 52.80%، وهى أكبر نسبة عرفتها فرنسا منذ عقود، فالانتخابات التشريعية التي جرت في 2017 عرفت نسبة مقاطعة قُدرت بـ51.30%، فى حين شهدت انتخابات 2012 مقاطعة 42.78% من الناخبين.

جولة حاسمة

التحليلات التي خرجت من فرنسا حول أسباب المقاطعة كثيرة، أبرزها: إحساس قطاع واسع من الفرنسيين بعدم جدوى المشاركة في الانتخابات، خاصة أن مشاكلهم الرئيسية لم تستطع الأحزاب حلها، مثل تراجع القوة الشرائية (أعطاها 53% من الفرنسيين الأولوية)، كما اعتبر 35% من الفرنسيين النظام الصحي من ضمن أولويات مشاكلهم، وجاءت الهجرة في مرتبة تالية بنسبة 22%. يقينًا، جولة الإعادة التي جرت أمس الأحد ستكون حاسمة، والمتوقع أن يتصدر حزب النهضة الذي يقوده الرئيس الفرنسى هذه الانتخابات، ولكنه لن يستطيع أن يؤمن الأغلبية المطلقة التي حصل عليها في انتخابات 2017.. بما يعني أن فرنسا قد تشهد ما يُعرف بـ«التعايش» بين رئيس جمهورية من توجه سياسى معين ورئيس حكومة من توجه مخالف، كما جرى في 1988 بين رئيس الجمهورية الاشتراكي فرانسوا ميتران ورئيس حكومته الديجولى جاك شيراك، وهذه المرة ستكون البلاد في وضع اقتصادي وسياسي أصعب بكثير مما سبق.

المصدر : الصريح

Load More Related Articles
Load More By Assarih

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *